بحث حول نظرية مابعد الحداثة

بحث حول نظرية مابعد الحداثة جاهز شامل لجميع المعطيات .

بحث حول نظرية مابعد الحداثة


مقدمة

  1. 1 ـ مفــهوم الحداثة
  2. 2 ـ مفــهوم ما بعد الحداثة
  3. 3 ـ تعريف نظرية ما بعد الحداثة
  4. 4 ـ عوامل نشأة ما بعد الحداثة
  5. 5 ـ الجذور الفكرية لنظرية ما بعد الحداثة
  6. 6 ـ رواد نظرية ما بعد الحداثة
  7. 7ـ تقييم نظرية ما بعد الحداثة
  8. خاتمة
  9. الملحق
  10. قائمة المراجع
  11. مقدمة

مقدمة

تعددت النظريات السوسيولوجية المعاصرة واختلفت وتعد نظرية ما بعد الحداثة من هاته النظريات والتي يسعى روادها لحل مشكلات مجتمعنا المعاصر والتي تم الاهتمام بها بعد فشل النظريات السوسيولوجية الكلاسيكية وهذا من خلال الانتقادات الموجهة لتلك النظريات،وهاته النظرية النقدية المعاصرة سيخصها بحثنا هذا بالدراسة حيث سنتكلم عن مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة وإلى أي حد استخدم هذا المفهوم (ما بعد الحداثة)ثم يليه تعريف النظرية وعوامل نشأتها ثم جذورها الفكرية بعد ذلك الرواد وتقييم نظرية ما بعد الحداثة.ولذلك نطرح التساؤلات التالية: 

ما المقصود نظرية ما بعد الحداثة؟ وما هي ظروف نشأتها ؟ومن هم أهم روادها

1ـ مفهوم الحداثة:

يرى الكثير من المحللين لنظرية الحداثة،أن هذه النظرية ومفهوماتها يعتبران من المفاهيم الغامضة والمحيرة أو الصعبة التفسير نظرا لتداخلها مع الكثير من المفاهيم الاخرى،لتعدد استخداماتها في الحياة اليومية وللتعرف على هذا المفهوم كما يرى فرو،وفوستر يجب التفرقة بين ثلاثة مفاهيم وهي الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة.

فالحداثة هي عبارة عن جملة الممارسات الثقافية التي يكون بعضها معادي للحداثة ذاتها.

التحديث والتي تعتبر عملية إقتصادية في الاساس ولها تطبيقات في مجالات علم الاجتماع الثقافي حيث ارتبطت بمفهوم العقلانية عند ماكس فيبر وعبر عنها في نظريته الاجتماعية والتي تم تطويرها في إتجاه نظري عرف بإسم نظرية التحديث.

فالحداثة كمفهوم استخدم من جانب العديد من المنظرين الاجتماعيين أمثال ماركس وفيبر،ولقد حاولوا جميعا الاشارة إلى هذا المفهوم تاريخيا للفترة اللاحقة للعصور الوسطى أو العصر الاقطاعي.كما يمكن أن نشير ألى الحداثة للاشارة في إطار تحليلنا للمراحل التاريخية اللاحقة لعصر التنوير وما تميزت به أنماط التفكير الانساني وتبنيها للتفسيرات العلمية والعقلانية،واعتبار كل من العلم والعقل مصدرا للتقدم عن طريق المعرفة المنظمة .

وكما يشير مفهوم الحداثة إلى مايعرف بالحداثة الجمالية الفنية والتي ظهرت نتيجة لمقاومة المظاهر الاستاتيكية والثقافية فالحداثة مست جميع جوانب الحياة من فنون وصناعة واقتصاد واستهلاك.

فالحداثة تذهب نحو الفردية والعلمانية والتحول نحو التصنيع والنظام السلعي والتحضر والتحول نحو البيروقراطية والعقلانية والتي جميعها شكلت النظام العالمي الحديث.

2ـ مفهوم مابعد الحداثة:

إن مفهوم ما بعد الحداثة يفهم من خلال تحليلات أنصار هذه النظرية،حيث يروا أن المرحلة المعاصرة التي تشهدها المجتمعات الحديثة تتصف بمرحلة ما بعد الحداثة،وخاصة إن هذه المرحلة الحالية تتميز بأعلى درجات التقدم التكنولوجي والصناعي في المجتمع الذي نعيش فيه وساعدت على إنتاج وإعادة إنتاج وتغير جميع المظاهر الحياتية التي يطلق عليها مجتمع مابعد الحداثة الجديد تلك المرحلة التي تحتاج إلى الكثير من التحليلات حول ما تم إنتاجه سواء من الناحية التاريخية أوالسوسيوثقافية والذي نتج عن إستخدام التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الحاسبات الالكترونية ووسائل الاتصال والاعلام والاشكال الحديثة من المعرفة ،والتغيرات التي حدثت على البناءات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فجميعها شكلت ما بعد الحداثة.

إن تحليل أو مفهوم مابعد الحداثة في مجال النظرية السوسيولوجية يعد دورا أساسا في تشكيل النظرية الثقافية والجمالية حيث توجد تحليلات أخرى تميز بين الحداثة وما بعد الحداثة في مجال الفنون والاداب ويقول هارفي من المؤكد أن الجميع يختلف فيما يقصد باللفظة مابعد الحداثة ماعدا احتمال أن يكون المقصود بها كونها تجسيدا لرد فعل ضد الحداثة أو انزياح عنها وطالما استغلق علينا معنى الحداثة والتبس،فإن رد الفعل هذا والمعروف بإسم ما بعد الحداثة يظل هو الآخر مستغلقا وبكيفية مضاعفة . 

3ـ تعريف نظرية ما بعد الحداثة:

يرى الكثير من المحللين لهذه النظرية أنها نظرية معاصرة جاءت لتقييم وإنتقاد النظريات السوسيولوجية الاخرى

فهي بمثابة نظرية سوسيولوجية ذات طابع نقدي،كما تحاول أن تعيد تفسير الواقع الاجتماعي وأنساق الفكر الانساني الذي تركته مجموعة النظريات السوسيولوجية الكبرى وروادها البارزين من أمثال ماركس وفيبر ودوركايم علاوة على تحليل النظريات المعاصرة ومحاولة إنتقادها من خلال معالجة أطرها التصورية والفكرية والقضايا الاساسية التي قامت عليها.

كما تهدف نظرية ما بعد الحداثة إلى البحث عن أسس لتفسر المعرفة الانسانية وإلى حد أصبحت هذه المعرفة ذات طابع عالمي،وقد رفضت هذه النظرية الكثير من الافتراضات والمقولات العامة التي قامت عليها النظريات السسوسيولوجية التقليدية والمعاصرة ،وخاصة تلك التي أيدت فكرة التماسك والتضامن والتوازن الاجتماعي وأيدت عموما النظريات التي تؤيد أفكار حديثة ومتطورة .وتقوم هذه النظرية أيضا على نقد النظريات التي تعتمد على توحيد الموضوعات ومجالاتها الخاصة والتي تعتمد على التصورات المركزية أو الشاملة ،لأنها تحرص على تجزئة الموضوعات وجعلها أفكار لا مركزية وتفسيرها في إطارها الاجتماعي واللغوي.

ويزعم أنصار التصورات ما بعد الحداثية أن المفكرين الاجتماعيين الكلاسيكيين اعتقدوا أن للتاريخ ثمة شكلا محددا ومسارا مستمرا وسيرورة هادفة وأن هذه الافكار الكبرى قد انهارت وآلت إلى الانقراض في التاريخ المعاصر وأصبحت عديمة المعنى ولم يقتصر الامر على أن فكرة التقدم في التاريخ قد غدت عديمة المغزى ولا يمكن الدفاع عنها،بل أن ما بعد الحداثيين يرون أنه ليس من المحتم على المجتمع البشري أن يسلك المسار الاشتراكي كما كان يرى ماركس ،أو أن ينهج النهج العقلاني والبيروقراطي كما توهم فيبر.ويرى بعض المنظرين الحداثيين وما بعد الحداثيين أن ما يتحكم في عالم اليوم هو وسائل الاعلام والاتصال الحديثة .ويضيف هؤلاء أن مجتمع مابعد الحداثة يتسم بدرجة عالية من التعدد والتنوع،ومن هنا فإن العالم الذي نعيشه ونشاهده في وسائل الاعلام والاتصال الحديثة مثل التلفاز والمواقع الالكترونية ذاخر بالافكار والقيم المطروحة للتداول،ولا صلة له بتاريخ المنطقة التي نعيش فيها وكما يقول مجموعة من هؤلاء المنظرين إننا نعيش في عالم تشكل ويعاد تشكيله بإستمرار ... ويعتبر جان بودريار من أبرز المنظرين في إتجاه ما بعد الحداثة حيث يرى أن وسائل الاتصال الالكترونية قد دمرت العلاقة التي تربطنا بماضينا وخلقت حولنا عالما من الخواء والفوضى وكان قد تأثر بالماركسية في مرحلة مبكرة من حياته الفكرية ،غير أن ثورة الاتصالات وانتشارها قد قلبت في رأيه المقولة الماركسية حول تأثير القوى الاقتصادية على شكل المجتمع رأسا على عقب ويرى بودريار أن ما يؤثر في حياتنا الاجتماعية أبلغ التأثير هو الاشارات والصور ويستمد بودريار جانبا من أفكاره في هذا المجال من المدرسة البنيوية وبخاصة الافكار التي طرحها ساسور بأن المعاني والدلالات تشتق من الروابط بين الكلمات لا من الواقع الخارج وفي هاته الايام التي تهيمن فيها وسائل الاعلام . 

يركز أصحاب ما بعد الحداثة على نقد المجتمع الرأسمالي والمعرفة التي أنتجها ويظهر هذا واضحا في كتابات جين فرانسو ليوتان وجين بودريلارفي نقد كل منهما لشرعية المعرفة والمجتمع الرأسمالي. 

4 ـ عوامل نشأة ما بعد الحداثة :

يذكر اليكس كالنيكوس أن القول بما بعد الحداثة نشأ بناءا على توفر ثلاثة عناصر متمايزة:

1ـ الردة على الحداثة:

وتتمثل في الحركات الفنية المعاصرة وخاصة منها تلك التي اعتنت بمجال المعمار،فلقد ثارت هذه الحركات على المعمار الحداثي الداعي إلى التقشف والعقلانية والتجريد والمستلهم لمثال الآلهة .في حين سعت نزعة ما بعد الحداثة إلى بناء نموذج معماري يستعيض عن التقشف بالتنميق وعن التقليد بالاثارة.ولعل ناطحة السحاب ATXTالتي وضع تصميمها فيليب جونسون خير مثال على عمارة مابعد الحداثة ذلك أنها تنقسم بصورة متناسبة إلى قسم أوسط كلاسيكي مستحدث،وأعمدة رومانية عند مستوى الشارع وقمة واجهة إغريقية مثلثة.

2ـ ظهور تيار اشتهر بإسم ما بعد البنيوية :

وقد كان من رواد هذا التيار ميشيل فوكو،جيل دولوز.وتتلخص أطروحة هذا التيار في رفض شعار التنوير واعتباره مجرد وهم كما تتضمن القول بأن لا يمكن تناول الواقع والفكر إلا باعتبارهما متجزئينوبأن النظريات والافكار ما هي إلا تعبير عن السلطة نحن إذن أمام نزعة فلسفية جديدة تقوم على تشخيص واقع لا يعدو أن يكون مجرد مرآة تعكس انهيار العقل الكلاسيكي بمختلف أشكله سواء تعلق الامر باللاهوت المسيحي أو النسق الهيجلي أو الايديولوجية الماركسية أو النزعة الوضعية

3ـ ظهور نظرية المجتمع مابعد الصناعي والتي عمل على تطويرها علماء اجتماع كثيرون نذكر من بينهم عالم الاجتماع الامريكي دانيال بل والفرنسي ألان تورين،فالبنسبة لدانيال بل العالم اليوم دخل عصرا تاريخيا جديدا أطلق عليه اسم العصر ما بعد الصناعي ويتميز هذا العالم بالاهمية التي صارت تحضى بها المعرفة(الثقافة) في الحياة المعاصرة والتي جعلت منها بدلا من الانتاج المادي(الاقتصاد)القوة الدافعة الرئيسية للتطور،فهو يقول في هذا الصدد:

إن لمن نتائج اندحار الاخلاق الدينية وارتفاع الدخل الفردي ارتفاعا كبيرا ،أن تبوأت الثقافة في نصف القران الاخير المكانة الاولى للاشراف على التغيير داخل المجتمع ،مما جعل الاقتصاد يركن إلى ممارسة دور تابع يتولى من خلاله مهمة إشباع الحاجات الجديدة للثقافة. 

5 ـ الجذور الفكرية لنظرية ما بعد الحداثة:

إن عملية تحديد مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة لايمكن فهمه إلا من خلال السياق التاريخي التي ظهرت فيه هذه المفاهيم وأدت إلى بلورة نظرية ما بعد الحداثة فلقد ظهر مفهوم الحداثة من الناحية الاجتماعية في دراسات راد ليف بانفيتز والذي تأثر بالفيلسوف "نيتشه" لوصف انهيار القيم في الثقافة الاوروبية المعاصرة .

ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة ويظهر من تحليلات سمور فيل التي تناولت كتابات المؤرخ البريطاني الشهير "أرنولد توينبي"وخاصة في كتابه دراسة في التاريخ الذي نشر سنة 1947وإن كان كل من "سيمور فيل و توينبي" أرجعا تاريخ ظهور فكرة ما بعد الحداثة إلى ظهور ما يعرف بالمرحلة الرابعة في التاريخ الغربي وبالتحديد عام1875وبعد انهيار عصور الظلام وحاولا أن يصفا مجموعة التغيرات الحديثة التي ظهرت مع نشأة الطبقات البرجوازية الوسطى،وأدت إلى الاستقرار الاجتماعي،وتبني العقلانية.

وخلال عقد الخمسينات ظهرت أفكار سوسيولوجية لفكرة ما بعد الحداثة في الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما ظهر في تحليلات "رونالد روزنبرج" في كتابه الثقافة الجماهيرية عند استخدام مفهوم ما بعد الحداثة ليصف الاحوال الجديدة للحياة في المجتمع الامريكي .كما نجد "بيتر دويكر" قد اهتم بهذا المفهوم عندما نشر مقاله عن علامات الغد وذلك سنة 1957حيث حاول فيه أن يصف تأثير التكنولوجيا وطبيعة القوة التي تحدد المخاطر المتعددة في المجتمع.

ومع آواخر الخمسينات وبداية الستينيات تطور مفهوم ما بعد الحداثة وظهرت البوادر السوسيولوجية والفكرية لنظرية ما بعد الحداثة عامة وهذا ماجاء في تحليلات الكثير من علماء الاجتماع المعاصرين من أمثال "رايت ميلز" وخاصة في تصوراته حول الخيال السوسيولوجي الذي حاول أن يصف مرحلة ما بعد الحداثة بأنها ظهرت مع نهاية العصر الحديث.

ـ وخلال عقدي الستينيات والسبعينيات تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة لتمتد جذوره الفكرية إلى مجالات أخرى غير علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد،ويظهر في كتابات العديد من العلماء المعاصرين من أمثال "جيفري باراكلوف"،كما ظهر استخدام مفهوم ما بعد الحداثة في الدراسات الادبية والثقافية وعلوم الآثار والفنون والمسرح ولاسيما تلك التحليلات التي امتازت بالاتجاه النقدي .

كما تعتبر اهتمامات بعض علماء الاجتماع الامريكيين البارزين من أمثال "امتاي اتيزيوني"،مصدرا فكريا متميزا لنظرية ما بعد الحداثة ولا سيما ما تناوله في كتابه المجتمع الفعال الذي حاول فيه أن يفسرمجموعة التغيرات التي حدثت في المجتمع الحديث وخاصة في مجال التكنولوجيا والاتصال والتنظيم.

ـ أما خلال الثمانينات والتسعينات فلقد تطورت العوامل الفكرية والثقافية التي أثرت على تحديث أفكار نظرية ما بعد الحداثة ولا سيما تلك الافكار التي ارتبطت بالحداثة وما بعد الحداثة والتي تتطلع جميعها لظهور نظرية نقدية تعالج القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والادبية من منظور مختلف ومتميز عن النظريات السوسيولوجية والاجتماعية و التقليدية والمعاصرة. 

6ـ رواد نظرية ما بعد الحداثة:

لقد جاءت آراء العديد من العلماء لتعبر بوضوح عن حصيلة قيمة من أفكار متعددة طرحت بواسطة نظرية ما بعد الحداثة أمثال ديليز ولاكالين وميوتي وجيوتري ،ولكننا سنخص بالذكر بعض هؤلاء العلماء ليمثلوا هاته النظرية

جان بودريارد:

عالم اجتماع معاصر ذو جنسية فرنسية تعددت اسهاماته كغيره من علماء الاجتماع الفرنسيين المعاصرين ،وإن كانت تحليلاته توصف كثيرا بأنها تبنت الاتجاه النقدي ولاسيما في حملته ضد الماركسية وغيرها من النظريات السوسيولوجية الكبرى له عديد المؤلفات منها كتاب المجتمع الاستهلاكي وكتاب نسق الاشياء ويمكن فيما يلي الاشارة لأهم آرائه بشيء من الايجاز :

أـ التحول من الحداثة إلى ما بعد الحداثة:

وقد جاءت آرائه مرتبطة أولا بتفسيره للحداثة فلقد أشار لتوضيح مفهوم الحداثة،باعتبارها خاصية أو سمة من سمات الحضارة والتي يقصد بها أنها شيئا ضد التقليدية،ولقد حاول بودريارد أن يوضح كيفية اهتمام العلماء بفكرة الحداثة كما جاءت في تصورات أنصار ما بعد البنيوية من أمثال فوكو.وفي إطار تحليلاته لعمليات التحول من الحداثة إلى ما بعد الحداثة سعى إلى دراسة كيفية تحول المجتمعات من مرحلة الرمزية إلى المجتمعات الانتاجية ،عالج كذلك قضايا أخرى مثل العمليات والممارسات الحياة اليومية تلك الثورة على أساليب الحياة ،والخطابات المؤسساتية والاتصال.

وبإيجاز سعى بودريارد لتحليل تصورات وأفكار ما بعد الحداثة عندما اهتم بدراسة المجتمع الاستهلاكي،ومظاهر الاتصال،وتحليله لأنماط الانتاج الرأسمالي ،والثقافي،والتكنولوجي،وأنساق الضبط والسيطرة والثورة المعلوماتية والانماط الترفيهية الاعلامية.

ب ـ استراتيجية الهلاك:

حاول بودريارد في استراتيجية الهلاك أن يصور كيفية تطور المجتمع الحديث نتيجة لعملية تطور محاكاة الاشياء الواقعية كما ظهر ذلك في مرحلة رأسمالية الاستهلاك.وفي الواقع حرص بودريارد على أن يركز على عملية المحاكاة ليتصور أن الناس أفقدوا التصور الحقيقي للعالم الذي يعيشون فيه وإن كانت آراء بودريارد عن نظرية الاستهلاك وحديثه عن ما يعرف بنهاية التاريخ وإختفاء الانتاج الرأسمالي،والوقع الاجتماعي،أو ماحدده بنهاية الواقع الاجتماعي،أو مايعرف بموت علم الاجتماع،وغير ذلك من أفكار لأن الكثير من آراء بودريارد جاءت لتعكس عمليات المحاكاة التقليدية كنوع من مظاهر التحديث أو الحداثة التي تتم بصورة دورية،وتلك الفكرة التي استمدها بودريارد من بعض انصار نظرية ما بعد الحداثة مثل كنتييه الذي تصور أن هناك فترات معينة من تاريخ الجنس البشري تحدد مراحل هذا التاريخ لإعادة ظهور مرحلة تاريخية أخرى أكثر حداثة فالحداثة تعني مرحلة أو عملية من التغير والتطور والابداع وإن كان بودريارد وصف المرحلة الحالية ما بعد الحداثة بأنها تمثل ذلك النوع من نهاية مراحل أو مجتمعات جديدة أخرى.وإن كانت هذه الفكرة(استراتيجية الهلاك)تغلب عليها طابع الغموض والخيال والبعد الميتافيزيقي في تفسير الواقع الاجتماعي.  

جون فرانسوا ليوتار:

الفرنسي متخرج من جامعة سربون بفرنسا من أهم المهتمين بمجال سياسات النقابات العمالية تأثر بآراء الفيلسوف كانط ،جاء أول مؤلفاته ليتناول الفينومينولوجية عام 1954أثرت فيه حياته بالجزائر حيث تلقى تعليمه الاساسي لينظم بعد عودته لفرنسا إلى التنظيمات السياسية الاشتراكية تعددت مؤلفاته في مجال مابعد الحداثة وكان من اهتماماته كتابه عن حال ما بعد الحداثة الذي نشر سنة 1984ومجرد لعبة وصدر عام 1985والاختلاف الذي نشر سنة 1988رفض الافكار والنظريات التي تقوم على العمومية كما ان اسهامات ليوتار قد ركزت على إبراز دور نظرية ما بعد الحداثة والتي شملت جميع تحليلاته المتنوعة كما انتقد بشدة العديد من النظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حاولت أن تؤكد وجود نظرية شمولية يمكن بها دراسة جميع أنماط المعرفة.فلقد أخذ حال ما بعد الحداثة برؤية نقدية تحليلية للنظريات الاجتماعية العامة والتي تمثلت في كتابات ماركس وفرويد .

إن معالجات ليوتار على أية حال لحال ما بعد الحداثة تعكس اهتماماته بدراسة أحوال المعرفة التي توجد في المجتمعات المتقدمة الرأسمالية،ولهذا يؤكد بأن استخدامه لمفهوم ما بعد الحداثة .

ولقد سعى ليوتار لظهور علم خاص يرتبط بسوسيولوجيا ما بعد الحداثة وإن كان هذا العلم لا يزال في مرحلته الاولى بحسب تصور أيان كريب ولم تتبلور معالمه بصورة واضحة.كما تعكس آراء ليوتار حول سوسيولوجيا مابعد الحداثة من خلال تركيزه على اللغة والمعرفة والادب،وهذا ما سعى لتحليله بصورة خاصة في اشارته لظاهرة ثورة المعلومات والتي من خلالها يمكن استخدام المعرفة لدراسة البناءات والنظم الاجتماعية.

سكوت لاش:

يرى لاش بإمكانية طرح الافكار والتصورات المرتبطة بالحداثة في إطار نظرية سوسيولوجية معاصرة،ويمكن أن تكون بديلا للنظريات السوسيولوجية التقليدية أو غيرها من النظريات المتعددة الانتماء بين العلوم الاجتماعية ولاسيما الفينمونولوجية أو الاثنوميثودولوجية فلقد حاول أن يعالج في كتابه سوسيولوجيا ما بعد الحداثة كثيرمن القضايا ،وقد سعى لتحديد فيه لتحديد ماهية سوسيولوجيا مابعد الحداثة حيث تخلى عن الكثير من الافكار التي طرحها غيره من رواد مابعد الحداثة والذين ربطوا الحداثة بالفلسفة والسياسة والاقتصاد والادب والفنون وأيضا علم الاجتماع.ويحدد سوسيولوجيا الحداثة باعتبار أن العلم يتكون من ثلاث مقولات أو أفكار أساسية مرتبطة بعضها البعض وهي بإيجاز:

1ـ فكرة التغير الثقافي :وذلك بإعتبار أن عملية التحديث ما هي إلا عملية تعكس التباين والاختلاف الثقافي بينما فكرة ما بعد الحداثة تعتبرالعملية التي تهتم بدراسة التباين أو التمايز الثقافي.

2ـ فكرة النمط الثقافي:

هذا بإعتبار أن الحداثة ما هي إلا حصيلة عملية التكوين الثقافي،أما ما بعد الحداثة فإنها تعالج الجزئيات أو العناصر الداخلية التي تشملها عملية التكوين الثقافي.

3ـ فكرة الحراك أو التنقل الاجتماعي:

بإعتبار أن هذه العملية ما هي إلا المنتج الخاص بعملية الحداثة وذلك لإرتباطها بالافراد أو الجمهور الثقافي،أما ثقافة ما بعد الحداثة فإنها تتميز بخصائص وسمات معينة والتي تتميز بها الطبقات والفئات الاجتماعية التي تنوعت بصورة كبيرة خلال مراحل ما بعد الحداثة.

كما أعطى لاش اهتماما ملحوظا بدراسة ثقافة ما بعد الحداثة وخاصة عندما اهتم بمعالجة النظرية النقدية الكلاسيكية والتي جاءت في أفكار مدرسة فرانكفورت.

نيكوس ميزليس:

أستاذ علم الاجتماع بمدرسة لندن للاقتصاد له عديد المؤلفات مثل النظرية التركيبية السوسيولوجية والذي نشر سنة1990تندرج أهمية تحليلاته تحت نطاق ما بعد الحداثة ولكنها تأخذ منحى آخر عن بقية التحليلات السابقة، فما يتضح من كتابات ميزليس مدى حرصه الشديد على العودة إلى النظرية السوسيولوجية التقليدية والمعاصرة.

سعى ميزليس لتحليل العديد من الافكار البارسونزية وحاول أن يصنف إسهامات ونظريات بارسونز حول مكونات هذه الفكرة بالاضافة إلى آراء ماركس أيضا،كما سعى إلى تحليل العديد من الاسهامات في مجال النظرية الاجتماعية والتي لم تفهم بارسونز بصورة كاملة،كما سعى إلى وضع إطار فكري وتصوري يمكن من خلاله إرشاد وتوجيه أصحاب النظريات الاجتماعية للعودة مرة أخرى وبإيجاز إن محاولة ميزليس تعتبر من المحاولات التي يمكن أن نطلق عليها مابعد الوظيفية أو مايعرف بالوظيفية المحدثة.

7ـ تقييم نظرية ما بعد الحداثة:

لقد جاءت طبيعة ظروف المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والادبية والفنية لتعكس حصيلة اهتمامات رواد ما بعد الحداثة.كما أنها لم تظهر من فراغ بل جاءت اهتمامات العديد من روادها لتعكس عدد من النظريات والنزعات السائدة التي كانت خلال الحرب العالمية الثانية وقد جاءت كرد فعل للنزعات التي ركزت على انهيار القيم الثقافية والجمالية.

جاءت عملية تتطور نظرية ما بعد الحداثة بصورة تاريخية وهذا ما ظهر من خلال استخدامات هذا المفهوم الذي ظهر في تحليلات عدد من المؤرخين البارزين أمثال "سيمور فيل" .إلا أن الاهتمام بأفكار ما بعد الحداثة قد تطورت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بعد ظهور الدراسات السوسيوتاريخية والسوسيوثقافية وهذا ما ظهر في الولايات المتحدة الامريكية في كتابات "روزنبرج" في كتابه عن الثقافة الجماهيرية وتطورت في تحليلات "دريكر" عن تحليله لمرحلة مجتمع ما بعد الصناعة.

لقد لعبت تحليلات أنصار النظرية النقدية الكلاسيكية والمعاصرة دور بارزا في ظهور ما بعد الحداثة من خلال مدرسة فرانكفورت ورآء "رايت ميلز" عن الخيال السوسيولوجي.

كما تطور استخدام مفهوم ما بعد الحداثة خلال الستينيات والسبعينيات وأصبح موضوع اهتمام الكثير من أنصار هذه النظرية الذين وجدوا في الادب والثقافة وخاصة النقد الادبي موضوعا خاصا لإبراز مرحلة أو مجتمع ما بعد الحداثة.وهذا ماظهر في مجموعة الثقافات المضادة للثقافات السائدة ويعكس عموما مرحلة التمرد الفكري من جانب مجموعة كبيرة من روادها بمحاولة طرح أفكار وأطر تصورية ومرجعية جديدة تختلف كلية عن مرحلة الحداثة.

ان كثير من آراء أصحاب النظرية جاءت لتحليل الواقع الاجتماعي وذلك من خلال إعادة تحليل آراء النظريات السوسيولوجية مثل آراء ماركس الاصلية.كما لاحطنا أن بعض الآراء جاءت من منظور تشاؤمي في تحليلاتها للواقع الاجتماعي وهذا ما جاء في آراء ليوتار وتصوراته حول استراتيجية الهلاك .بالاضافة إلى ذلك جاءت محاولات بعض رواد نظرية ما بعد الحداثة لتعيد الاهتمام بالنظرية السوسيولوجية وهذا ما ظهرعلى سبيل المثال في آراء ميزليس.

خاتمة

وفي خولصة لهذا البحث نكون قد تعرفنا على مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة كما تمكنا من التمييز بين مفهوم الحداثة والتحديث وما بعد الحداثة ، كذلك ما بعد الحداثة كنظرية سوسيولوجية نقدية معاصرة إستمدت أفكارها وتصوراتها من ظروف فكرية محدثة ومن خلال عوامل ساهمت في بلورتها حيث حاولت أو بالأحرى حاول روادها تفسير الواقع الإجتماعي وهـــذا ما جــاء في تنــوع مداخلها التحليلية لدراســة الظواهــر الإقتصاديــة و التكنولوجية والثقافيــة والسياسية والاإجتماعيـــة ، كمـــا تعرفنا على البعض من روادها أمثال ليوتار .وفي الآونة الأخيرة ظهرت كتب كثيرة تبحث في مرحلة ما بعد الحداثة، وأثرها في الحياة العامة وبشكل خاص في الثقافة والآداب والفنون،

المراجع

فايز الصباغ،علم الاجتماع،مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الاولى،بيروت،لبنان،2005.

إبراهيم عيسى عثمان،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع،دار الشروق،الطبعة الاولى،عمان،الاردن،2008.

محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.

عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزء الثاني، دار المعرفة الجامعية،مصر.

[1]تلك النظرية التي تطورت بعد الحرب العالمية 2نتيجة الاهتمام بالعلم التطبيقي وظهرت بصورة خاصة في تحليلات رواد النظرية النقدية التقليدية خاصة مدرسة فرانكفورت.

[2] عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.

[3] محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.

[4] فايز الصباغ،علم الاجتماع، مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الاولى،بيروت،لبنان،2005.

[5] إبراهيم عيسى عثمان،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع،دار الشروق،الطبعة الاولى،عمان،الاردن،2008.ص203.

[6] محمد الشيخ وياسر الطائري ،مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة،دار الطليعة،الطبعة الاولى، بيروت،لبنان،1996.

[7]عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.

[8] عبد الله محمد عبد الرحمن ،مرجع سابق ،ص372.

[9] عبد الله محمد عبد الرحمن،النظرية في علم الاجتماع الجزءالثاني،دار المعرفة الجامعية،مصر.

[10] ودعا ميز في كتابه هذا إلى ضرور الاخذ بالنظرة الشاملة في الدراسة السوسيولوجية بحيث يكون تركيز الباحث على 3مستويات الانسان والمجتمع والتاريخ.من كتاب اتجاهات نظرية في علم الاجتماع،لعبد الباسط عبد المعطي،سلسلة عالم المعرفة،الكويت ،1981.ص152.

إرسال تعليق

الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور، وتذكر تفضيلاتك، وتحسين تجربتك.
Oops!
يبدو أن هناك مشكلة في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت والبدء في التصفح مرة أخرى.
AdBlock Detected!
لقد اكتشفنا أنك تستخدم مكونًا إضافيًا لحظر الإعلانات في متصفحك. العائدات التي نكسبها من الإعلانات تُستخدم لإدارة هذا الموقع، لذا نطلب منك إدراج موقعنا في القائمة البيضاء للمكون الإضافي لحظر الإعلانات.
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.